بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا تبكون؟
لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: مُرَّ بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورُها .
فلما وصلا إليها بكتْ ، فقالا لها: ما يُبكيك ؟ إنّ ما عند الله خير لرسوله .
فقالت: إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله ، وأن رسول الله قد صار إلى خيرٍ ممّا كان فيه ، ولكنْ أبكي أنَّ الوحيَ قد انقطع عنّا من السماء !!
فهيّجتهما على البكاء ، فجعلا يبكيان معها ..
..
إنها صورة مشرقة .. تعكس هموم المرأة المؤمنة وأحزانها ..
إن أم أيمن رضي الله عنها تبكي؛ لأن وحي السماء قد انقطع !
لأن القرآن قد تمّ !
لأنها لن تسمع في حياتها جديداً من كلام ربها .. وهي لا تشبع منه ، وتريد المزيد !
لقد عاشتْ هذا القرآن ، وربطتْ به همومَها ، ودارتْ في فلك هدايته ، وشهدت تنزيله في كل يوم من أيام رسولها الحبيب عليه الصلاة والسلام ثم ينقطع الوحي فجأة ..
أليس هذا جديراً بالبكاء ؟!
أليس في انقطاع غذاءِ الروح ، ونور البصيرة ، وبهجة القلوب ، وهدى النفوس - أليس في ذلك مدعاةٌ للحزنِ والبكاء ؟ بلى ، والله ..
ولذلك بكتْ ، وأبكت الصديقَ والفاروق ، رضوان الله عليهم أجمعين .
*
أخـــواني ..........أخواتي .........
بكتْ أمُّ أيمن ؛ لانقطاع وحي السماء .. وأنت .. لماذا تبكين ؟!
ما هي همومُكِ ؟ وفيمَ أحزانك ؟
ودمعاتُك الغاليةُ من أجلِ ماذا تذرفينها ؟ .. نحن لا نطلبُ منكِ البكاءَ على انقطاع وحي السماء .. ولكن ..
كيف أنت مع وحي السماء الموجودِ بين يديكِ ؟
كيف أنت مع القرآن ؟
هل دمعت له عينُك يوماً ما ؟
كم تقرئون منه في يومكِ وليلتِكِ ؟
كيف أنتِ مع أوامره ونواهيه ؟ ومع أحكامه ؟ كم تحفظينَ منه ؟!
هل هذّبْتِ به النفسَ .. وطهّرتِ به القلبَ .. ورفعتِ به الإيمان ؟!
هل عملتِ به ، ودعوتِ إليه ؟
هل شغلتِ به الأوقات ؟ .. أم أنَّ المسلسلةَ .. والمجلة .. والأغنية .. والفيلم .. والمرآة .. والزيارةَ اللاهية .. قد أخذتْ منكِ أكثر مما أخذ القرآن ؟!
قف مع نفسكِ وقفة حسابٍ ومراجعة ..
إنه القرآن .. كلامُ الله .. به تزكو النفوس ، وتطهُر القلوب ، وتطمئن ، وتكثر الحسنات ، وتُرفع الدرجاتُ .. وتتنزّلُ الملائكة بالسكينة والرحمات ..
فيه شفاءُ ما في الصدور ، وبه النجاةُ من الشرور ، فهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ..
تلاوتُه طبُّ القلوب المؤمنةِ وشفاؤها .. ونور البصائر الموقِنةِ وضياؤها ..
إنه ظِلالٌ وارفة .. ونسائمُ عطرة .. تنعمُ بها النفوسُ المؤمنة .
أما يستحق منك هذا الكتابُ الخالدُ أن تولَّيهِ جُلَّ اهتمامكِ ، وأن تعطّر به أوقاتك ، وأن تُضن بهِ جوانحكِ ؟
وأن تعيش معه تلاوةً وتدبُّراً .. وعملاً ودعوةً .. وجهاداً وتضحية ..
حاولو - يا أُخوتي - حاولو أن تعيشي في ظلال القرآن .. وستجدون السعادة التي لا شقاءَ معها .. والأنسَ الذي لا وحشة معه .. والهداية التي لا ضلال بعدها ..